أخر المواضيع
recent

الوعي المستكشف

الوعي المستكشف


يقول لي بعض الناس: أنا فقط أقرأ الكتب التي تتحدث عن الوعي.

فأرد بسؤالهم: لكن لماذا؟
كل شيء من حولنا هو وعي، لذلك كل ما تكتشفه في حياتك يعتبر جزء من الوعي. كل واقع يكشف عن السحر الذي في داخله إذا تمعنت النظر فيه. سواء كنت تشاهد أو تقرأ عن الرياضة، الشعر، السياسية أو أي شيء آخر، فأنت تشاهد الوعي يتمثل أمامك بجميع صوره. لماذا إذا تحصر نفسك فقط بتعلم جزء من الكل؟ الوعي يشمل كل شيء، جميع ما تراه، أو تشعر به، أو تفعله، أو تجربه هو وعي.

يقول لي البعض: أريد الذهاب إلى مكان لا يوجد فيه حدود.
فأرد بسؤالهم: لكن لماذا؟ لماذا لا تذهب إلى مكان لا يوجد فيه حدود ولا "لا-حدود"؟ ففهم مقصدي وفرح بذلك، فهو قد فهم من سؤالي أن مصطلح "لا-حدود" هو محدود بحد ذاته كونه مصطلح يعترف بوجود الحدود من الأساس.

قال لي أحدهم: "منذ أن أصبحت ملحدا، أحسست بالحرية" وقال آخر: "منذ ان التحقت بجماعة دينية، أحسست بالحرية". أضحكتني هذه العبارات لأني سمعتها من شخصين مختلفين في نفس الأسبوع. وقال لي شخص آخر: " منذ أن بدأت بتناول تلك الأعشاب، أحسست بالراحة أكثر". في الحالات السابقة التي ذكرتها، مفهومهم للحرية الجديدة ليس له علاقة بفلسفتهم الخاصة أو بالمواد التي استخدموها، كل ما هنالك هو أنهم نقلوا وعيهم من شيء إلى شيء آخر وتخلصوا من أفكارهم القديمة. فعلى سبيل المثال، لو كانت فكرة الملحد السابقة أنه ربط الرب بالذنوب والآلام، يتضح لنا أنه أحس بالحرية عندما تخلص من هذه الفكرة. ولو كانت فكرة المتدين أنه ربط الإلحاد بالفراغ الوجودي والروحاني، يتضح لنا أيضا أنه أحس بالحرية عندما تخلص من هذه الفكرة. لكن الحرية الحقيقية تكمن في استطاعتك للدخول أو الخروج من واقع لواقع آخر، أو أن تنتقل بحرية وباختيارك من حالة إلى حالة أخرى أو الدخول في كلاهما معا بنفس الوقت.
قال لي أحدهم: "أنا أريد أن أشعر بيقين عن كل شيء في الواقع الذي أعيشه"
فسألته: "لكن لماذا؟ ألا ترى أن الحياة تصبح ممتعة أكثر إذا كانت بعض الأمور غير حتمية ويقينية؟"

وقال لي آخر: "أنا أريد أن أتقبل وأتعايش مع فكرة عدم حتمية بعض الأمور في الواقع والحياة"

فرددت عليه: "لكن لماذا؟ ألا ترى أن بعض الأمور تصبح أكثر قوة إذا كانت حتمية ويقينية؟"

العقل يستمتع بصنع بعض الحدود حتى يعمل بداخلها ومن خلالها. لكن الوعي لا يعترف بالحدود. إن طبيعة الوعي والتي لا يمكن تعريفها تسمح بوجود الكثير من التعريفات لها. طبيعة الوعي تحب المتناقضات ولديها الاستطاعة أن تعيش في زوايا مختلفة ومستويات متباينة من الحقيقة بلا كلل. 

إذا تخلصت من جميع المخاوف، فلن تصبح باحثا عن الحقيقة، بل ستصبح مكتشفا لها. الوعي هو مرحلة اكتشاف مستمرة لا نهاية لها، لذلك فأنت على الدوام في حالة استكشاف ومتعة وتعلم. وكل ما حولك سواء كان متحركا أو غير متحرك يصبح جاذبا ومدهشا لك لتكتشف الوعي من خلاله. في هذه اللحظة وأنت تقرأ هذه الكلمات ومن غير أن تفكر في هذا العالم، ما الذي يحدث حولك؟ ما هو نوع الأرضية التي تطأ عليها؟ هل تستطيع أن تشعر بما هو تحت قدميك؟ ما الذي يفعله جسدك الآن؟ ما هي المواد التي استخدمت في صنع الأرضية التي تقف عليها الآن؟ ما هي حرارة الطقس الآن؟ ألا ترى أن كل ما حولنا سواء كان متحركا أو غير متحرك فهو ينبض بالحياة؟ هل باستطاعتك أن تشعر بذبذبات الأرض وترى تموجات الطاقة في الهواء والفضاء؟ هل تلاحظ الناس من حولك؟ ما هي قصصهم؟ ما هي القصص التي اختلقوها في عقولهم فشكلت بذلك عوالمهم؟ ما هي المدة الزمنية القصوى التي تستطيع بها مراقبة مجموعة من الناس تمر من أمامك؟ كم من الوقت تستطيع أن تراقب أي شيء؟ ما هي الأنماط المتكررة التي تلاحظها في حياتك؟ ما هي العلاقات التي تنشئها؟ ماذا تشم؟ تتذوق؟ تلمس؟ تشعر؟ ترى؟ تسمع؟ هل هنالك أشياء أخرى غير التي ذكرت وباستطاعتك أن تدركها الآن في هذه اللحظة؟ هل باستطاعتك أن ترى الأشياء من حولك وتفكر بالمواد الأساسية التي صنعت منها؟ هل هنالك ألعاب او مسابقات من حولك؟ ما هي المسابقات التي اشتركت بها أو لم تشترك؟ إنه خيارك.

العقل الجمعي لا يهتم بكل ما سبق ذكره، هو فقط يهتم بكيفية تجنب عدم الارتياح. منطقة الراحة لهذا العقل لا تمتد خارج الجدران الأربعة والتلفاز الذي أمامه.

الوعي كمستكشف يشبه المسافر، أما الوعي كصانع للأشياء يشبه السائح. المسافر يرى الذي أمامه، أما السائح فيرى الذي سافر من أجله. الوعي المستكشف ليس له حدود. أما الوعي كصانع فهو يضع حدوده في إطار تجاربه المفضلة سابقا. كلا النوعين من الوعي فيها بهجة ومتعة.

فردريك دادسن
ترجمة: سعـد صالح الراشد

Grini

Grini

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.