أخر المواضيع
recent

البيولوجيا الجديدة - عندما يلتقي العقل بالمادّة ج1

عندما يلتقى العقل بالمادّة ج1


- هنالك "مُسلّمات" قبِلنا بها وتعاملنا على أساسها فى مضمار العلوم، إلاّ أنّها غير صحيحة.
- هنالك "فرضيّات" فى مجال العلوم، وأفكار وقعنا بسببها فى إشكاليّات عديدة، وهي ليست صحيحة.
- الإنسان ليس محكوماً بجيناته، وإنّما بمعتقداته.
- نحن موجودون فى الواقع "خارج أجسادنا"، وليس داخلها.
- علماء اليوم مثل كهنوت الأمس، والفرق هو أنّ العلماء يلبسون ثياباً "بيضاً"، بينما يرتدى الكهنوت ثياباُ "سود"، والقاسم المشترك بينهم هو الحديث عن "مُسلّمات".

هذه عناوين عريضة لبعض ما ورد فى محاضرة الدكتور "بروس ليبتون"، إختصاصي بيولوجيا الخلايا بعنوان "البيولوجيا الجديدة - عندما يلتقى العقل بالمادّة"، والتي طرح فيها منظوراً مُغايراً لبعض مّا تمّ تداوله فى العقود السابقة على اعتباره "ثوابت" علميّة. وسوف أورد هنا وعلى حلقات، عرضاً لتلك المحاضرة الطويلة (150 دقيقة) يتضمّن محاورها الأساسيّة. وهي محاور تفتح الباب على مصراعيه أمام احتمالات جديدة، خاصّة فيما يتّصل بالعلاقة بين المادّة، والعقل، والوعي.

بدأ الدكتور "ليبتون" محاضرته بتحيّة الحضور ثمّ قال: لقد كان عملي يتعلق أساساً باستنساخ الخلايا العضلية البشرية. فقد كنت أعمل مع المرضى المصابين بأمراض الضمور العضلي، وأقوم باستخراج الخلايا البشرية، محاولاً فهم الآليّات التي تتحكّم بالتجلّيات المَرَضيّة للخلايا. وكنت أقوم بذلك أثناء مزاولتي لمهنة التدريس بكلية الطب.
وبعد سنوات من البحث، بدأت أدرك بأنّ بعض معتقداتنا الحالية، ومسلّماتنا فى مجال الطب، ليست صحيحة على الإطلاق. أن هنالك "ثورة" تجري الآن فى مضمار الرعاية الصحية، ولكنّني، ومن منطلق عملي فى مراكز طليعيّة فى مجال الأبحاث العلميّة، رأيتُ بأن من الواجب تنزيل تلك "الثورة" إلى أرض العامّة من الناس، وأن الأمر الأكثرأهمية، هو أن يفهمها عامّة الناس. إنّ المعلومات التي سأقدمها لكم الليلة، هي معلومات مُعزّزة للذات بشكل كبير. وهي معلومات ستكشف لنا عن بعض "الفرضيّات" التى سأسمِيها لكم، وعن بعض الأفكار التي أوقعتنا فى إشكاليات، وهي أفكار ليست صحيحة على الإطلاق.

وبمجرّد فراغى من توضيح تلك المعلومات، ستدركون مدى ما كنتم عليه من قوّة، ومدى ما كنتم عليه من "محدوديّة" فى آن واحد. والسبب فى ذلك، هو تغيُّر إعتقادنا عمّا كنَّا نملك من قوَة.

إنّ هنالك معتقدات مهمة جداً كانت قد إنتقلت من مجال العلوم إلى الساحة العامّة، عن طريق تحويل المعلومة العلمية إلى عبارات عامّة. وفي أثناء هذا الإنتقال، تم تحوير الكثير من المعاني، بحيث لم تعد لتلك المعلومات، أي علاقة بالحقيقة.

ربما يكون البعض منكم سمع بما يُدعى "التحديديّة الوراثية - Genetic Determinism". وهي تتمثّل في الإعتقاد الشائع الذى يقول لك: "أنت محكوم بجيناتك". وفي خلال الساعة الأولى لهذه المحاضرة، سأكشف لكم حقيقة أخرى، وهي حقيقة تقول، بأنك فى الواقع، لست محكوماً بجيناتك، ولكنّك محكوم بِ"تصوّرك عن بيئتك". وسأوضّح لكم لاحقاً، كيف أنّ "التصوّرات" هي في الواقع، عبارة عن "مُعتقدات".

إننا عندما نتحدث عن "الجينات" فإننا نتحدث عن الأمراض الوراثية، أو الميول الوراثية. دعوني أولاً أوضّح لكم خطأً شائعاً وهو: لا شك فى أن هنالك ما يُعرف بِ"العيوب الوراثية"، وهى تؤثر فى حوالي 5% من السكان. وما أحاول توضيحه هو أنّ 95% من البشر يحملون جينات رائعة يُفترض أن تمكّنهم من العيش بشكل "طبيعي" من الناحية البايولوجية، ولكن بالرغم من ذلك، يُعاني بعضهم من الأمراض والأورام الخبيثة والموت المبكر وأمراض القلب. ونحن بطبيعة الحال، ننزع نحو تحميل " الجينات" المسئولية الكاملة عن كل ذلك. أمّا الآن، فقد إتّضح أنّ الأمر خلاف ذلك، وهو أن "نظمنا العقائديّة"، هي من يقوم بإختيار الجينات، وإعادة الكتابة على تلك الجينات.

وبينما كنتً أباشر عملي فى استنساخ الخلايا، كان جزءٌ من تجاربي يتطلب تدمير الحمض النووي للخليّة، ثمّ مراقبة سلوك الخلية بعد ذلك. والأمر الذى أدهشني، كان مقدرة الخلية على الإستمرار فى حياتها بعد تدمير حمضها النووي. فإذا كان الحمض النووي هو المتحكم الأساس فى الخلية، فما الذى يتحكم فى الخلية إذاً بعد اختفائه.

وقد قادني ذلك للإجابة على السؤال: "أين يقع الدماغ الحقيقى للخليّة؟" 

وحينها، أصبحت غاية فى الحماس وقلت لنفسي: "ياإلهي .. هذا فهم للعلوم جديد كليّةً ". ثمّ بدأت التجوال وإلقاء المحاضرات عن ذلك. وكان بحق مثيراً للحماس، لأن الناس العاديين والأنداد والزملاء فى المهنة، كانوا جميعاً قد فهموا ما توصّلتُ إليه، إلاّ أنّهم كانوا منزعجين أيضاً لكوننا أنفقنا أموالاً طائلة حول معتقداتنا السابقة عن الجينات، وفي الأدوية، بحيث كان من الصعب عليهم التحوّل نحو منطقة وسطى، والبدء فى البحث عن معتقدات بديلة.

والشيء المهم، هو أننا نحن البشر، نفكر بأننا لو أخذنا كل تلك المعلومات "الأكاديمية" الجديدة ووضعناها داخل رؤوسنا، فسوف تتغير حياتنا بشكل مفاجئ، تماماً مثل "حبّة أكاديمية"، إذا إبتلعها الشخص، تغيرّت حياته إلى الأفضل، ولكنّ ذلك غير صحيح.
لذلك قلت: "كيف يمكنني التحدث عن تلك الدراسة العظيمة دون أن أقوم بتطبيقها أولاً في حياتي؟". ثم قلت: "حسناً، دعني أتوقّف عن ذلك الحديث من الآن فصاعداً، حتى يتسنّى لي تطبيقه على الواقع المُعاش أوّلاً."

والآن، وبعد مضي 15 عاماً في ذلك العمل، لم يستغرقني الأمر سوى أشهر قليلة لأتحقق من التغيير.لقد خرجت من ذلك العالَم، والذي لو طُلِب منّي أن أُطلق عليه إسماً، لأسميته "إنسى لأجلِ مصلحتك". والآن، فإنّني أحيا فى "جنّة" قوامها العيش يوماً بيوم. ولكي نُدرك كيف أنّنا نملك نفوذاً عظيماً على مجريات حياتنا، وأننا لم نُدرك فيما مضى الكيفية التى يمكن لذلك النفوذ أن يؤثّر بها على حياتنا، فإنني سوف أزودكم اللّيلة بتلك المعلومات، وبإمكانكم أخذ هذه المعلومات معكم. ولكن، هنالك نقطة مهمّة، وهي أنه من واجبكم المشاركة بها، بنفس الطريقة التي توجّب علي المشاركة بها. وأن نبدأ بتفعيلها في حياتنا، لأنّ بمقدورنا بالفعل تغيير مُعتقداتنا. 
Grini

Grini

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.